إلي رحمة الله

4 -  نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي

الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم رحمه الله

1362-1426هـ = 1943-2006م

 

 

 

 

 

       انتقل إلى رحمة الله تعالى فجر يوم الأربعاء : 4 من ذي الحجة (بالتقويم العربي) و 3/ من ذي الحجة (بالتقويم الهندي) 1426هـ الموافق 4/ من يناير 2006م ، بفندق «كونيزلاند» بمدينة «بريسبان» بدولة «أستراليا» في 62 عامًا من عمره ، صاحب السمو الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء بحكومتها حاكم دبي . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .

       وقد كان الفقيد يعاني مشاكل صحيّة . ولكن مصادر في حكومة الإمارات أكّدت أن وفاته كانت طبيعيّة ؛ حيث كان في زيارة خاصّة لأستراليا ، إذ وصلها في 28/ ديسمبر 2005م (الأربعاء: 25/ ذوالقعدة 1426هـ) .

       وحُمِلَ جثمانه – رحمه الله – إلى دبي ؛ حيث ودّعه الإماراتيون بغاية من الحزن والأسى . وورّوه يوم الخميس 5/ من ذي الحجة 1426هـ (بالتقويم العربي) الموافق 5/ من يناير 2006م ، في مقبرة «أم هرير» بدبي . ومن قبل أقيمت عليه صلاة الجنازة في مسجد زعبيل بدبي ، وحضرها الإماراتيون بمن فيهم أسرة الفقيد والمسؤولون والقادة والوفود العربية والأجنبية ، وعلى رأسهم رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وحكّام الإمارات السبع من بينهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الحاكم الجديد لإمارة دبي.

       وقال مصدر رسمي : إن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي العهد لدبي ووزير الدفاع الإماراتي خلف أخاه الراحل بشكل آليّ على رأس إمارة دبي التي تُكَوِّن مع ست إمارات أخرى «دولة الإمارات العربية المتحدة» . والشيخ محمد يُعْتَبَرُ مهندسَ النموّ الاقتصادي الهائل في إمارة «دبي» التي فرضت نفسها كوجهة سياحيّة من الدرجة الأولى بين دول الخليج كلّها .

*  *  *

       هذا ، وقد شهد عهدُ الشيخ مكتوم في دبي إنجازَ كثير من مشاريع البنية التحتية والمشاريع العقارية والسياحية الضخمة التي حوّلت إمارة دبي، رغم قلة مواردها النفطية ، إلى مركز إقليمي للأعمال والسياحة . وقد منحها ذلك شهرة عالمية جعلتها محجة للزوار والمستثمرين من جميع أنحاء العالم . كما كان للشيخ مكتوم ، إضافة إلى باقي أفراد أسرة مكتوم ، دور كبير في مجال تربية الخيول الأصيلة . وتملك أسرة آل مكتوم اسطبلات «غودولفين» الذائعة الصيت . ويُنْسَب إلى الشيخ مكتوم فضلٌ كبير في ظهور العرب في سباقات الخيول العالمية ، والتأثير في صناعتها ، وتأكيد دورهم الرياديّ في هذه الرياضة التراثية .

       ونال الشيخ مكتوم لقب أفضل مالك يفوز بسباقات الفئات في خمس دول أوربية في عام 1997م . كما يُنْسَبُ إلى الشيخ مكتوم الفضلُ في إنشاء فريق «غودولفين» الذي حقّق أروع الإنجازات العالمية في ميدان سباق الخيل ، كما كان له دور كبير في بطولة كأس دبي العالمية التي تشهد مشاركة نخبة خيول العالم فيها للظفر بجائزتها التي تُعَدُّ الأثمن في العالم .

       وكان من روّاد النهوض برياضة الفروسيّة التراثية في الإمارات وتطوير سباقات الخيل .

*  *  *

       ولئن كان الشيخ مكتوم من أصحاب الفضل الكبير في تطوير وتحديث إمارة «دبي» شكلاً ومضمونًا ؛ حيث استوفى وسائلَ كافية ضمنت لها الرقي المادي الهائل والازدهار المغبوط والتقدم الشامل لإتاحة فرص ذهبية للمستثمرين ورجال المال والأعمال ، فأصبحت تحاكي هذه الدولة الصحراوية دول أوربّا بمظهرها الجميل الفاتن ومعطياتها الحضاريّة ومكتسباتها التنموية وبفضل ناطحات السحاب الكثيرة التي ظهرت على أرضها وبأسواقها الزاخرة بالمنتجات المتنوعة الداخلية والخارجية ، ممّا كثّف العمالة الوافدة ، والأجانب من كل دين وثقافة ، الذين كادوا يزاحمون سكان دبي العرب أصحاب الدين الإسلامي ، وشكّلوا قضايا شائكة في ظل الهيمنة الأمريكية الصهيونية المسيحية المُطَعَّمَة بالصهيونية على العالم ، ولاسيّما على العالم الإسلامي ، وبالأخص على العالم العربي ودول الخليج العربيّة . وعادت أمريكا تصدر صباحَ مساءَ أوامر ونواهيَ واجبة التنفيذ تسلب دولَ الخليج كل معنى من معاني السيادة وامتلاك حق تقرير المصير .

       وكل من زار دبي من المسلمين ذوي الغيرة الإسلامية والوعي الإيماني بدا له في أول نظرة أنها دولة من دول أوربّا ، وليست دولة عربيّة تؤمن بالإسلام ، وتدين للقرآن ، وتعتقد بمحمد نبيًّا ورسولاً . اللهم إلاّ بعض المحلات التجارية التي تحمل لافتات مكتوب فيها أسماؤها ومحتوياتها باللغة العربية التي تئن هي تحت وطأة سيادة الإنجليزية .

       وبدا له في أول وهلة أن سكانها ربما هم غيرمسلمين لأنهم يبدون مغلوبي الأمر تجاه غيرالمسلمين من رجال المال والأعمال . وتبدو الحضارة الإسلامية والثقافة الإسلاميّة ليس لها خلّ ولاتمر بالقياس إلى الحضارة والثقافة غير الإسلامية الخليطة من الوثنية والغربية والأمريكية . ويبدو أن غيرالمسلمين هم الذين بيدهم الأمر والحلّ والعقد ، فهم يتقلبون فيها تقلّبًا لايتيسّر للمسلمين .

       إنّ المؤسف أن إمارة «دبي» خصيصًا وغيرها من الإمارات عمومًا كأنها آمنت بأن الرفاهية الماديّة المتزايدة على حساب الدين والقيم الدينية والثقافة الدينية والأحكام الشرعية والغيرة الدينية ، هي كل شيء، وأنّها هي التي تقود أهلَ دبي ودولةَ الإمارات إلى النجاة ، ليس في الدنيا فقط وإنما في الآخرة كذلك . وكأنها تأكّدت أن الرخاء الماديّ على كل حال، وبأي طريق، هو آلة تجديف سفينة العرب إلى برّ الأمان . وإنّها نظرة قاصرة بل نظرة خاطئة يجب تصحيحها ويجب تفاديها بكل أسلوب ممكن . إن قادة «دبي» ودولة الإمارات لهم أسوة في قادة السعودية والكويت الذين سمحوا للرخاء الماديّ لينمو ويتوافر ويتكاثر؛ ولكنهم التزموا بالجانب الديني القيمي الثقافي الحضاري للشعبين ، فكل من دخل الدولتين ظنّ وتأكّد من المظهر الأوليّ والواجهة البادية أنهما دولتان عربيتان إسلاميتان . إنهم لم يَدَعُوا الجانبَ الماديّ يطغى على الجانب الديني الروحي الثقافي الحضاري القيمي للدولتين والشعبيين طغيانًا يوهم أنّهم لايبالون بالجانب الديني بمثلما يؤمنون بالجانب الماديّ البحت .

موجز من حياته

       وُلِدَ الشيخ مكتوم في منطقة «الشندغة» في «دبي» سنة 1943م (1362هـ) .

       وهو أحد الأنجال الأربعة للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم (مكتوم، وحمدان ، ومحمد، وأحمد).

       أكمل تعليمه في أوائل الستينات في دبي ، وأرسله والده لمواصلة تعليمه في إحدى الجامعات البريطانية .

       وكان يشارك منذ ما قبل العام 1971م (1391م) باستمرار مع والده في اجتماعات مجلس الإمارات المتصالحة الذي كان يجتمع فيه حكّام الإمارات التي تُكَوِّن حاليًّا «دولة الإمارات العربية المتحدة» .

       وحين أعلنت بريطانيا سنة 1971م (1391هـ) انسحابها الكامل من الإمارات بدأ عملَ إمارة أبوظبي بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإمارة دبي بقيادة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بشكل خاصّ على إقامة دولة الإمارات العربية المتحدة .

       ومع قيام دولة الإمارات ، أصبح الشيخ زايد رئيسًا للدولة، والشيخ راشد نائبًا للرئيس. وعُيِّنَ الشيخُ مكتوم رئيسًا لمجلس الوزراء وأُوْكِلَت إليه مهمةُ تشكيل الوزارة الجديدة .

       وترأس الشيخ مكتوم في 2/ أبريل 1972م (18/ ربيع الأول 1392هـ) أول اجتماع لمجلس الوزراء للإمارات العربية المتحدة . وشغل الشيخ مكتوم هذا المنصب حتى 1979م (1399هـ) حين تنازل عنه لوالده .

       وفي مايو 1981م (شعبان 1401هـ) داهم المرضُ الشيخَ راشد والد الشيخ مكتوم ، ليتولّى أبناؤه شؤون الإمارة . ورغم تحسّن صحة الشيخ راشد بعد ذلك ، آثر ترك أمور إدارة الإمارة فعليًّا بيد الشيخ مكتوم .

       وفي 1982م (1402هـ) عاد الشيخ مكتوم إلى الحكومة في منصب نائب رئيس مجلس الوزراء . وإثر وفاة الشيخ راشد سنة 1990م (1410/1411هـ) أصبح الشيخ مكتوم حاكمًا لدبي ونائب رئيس ورئيس مجلس وزراء دولة الإمارات العربية المتحدة .

       وظلّ يشغل هذه المناصب حتى 4/ ذوالحجة 1426هـ = 4/يناير 2006م ، عندما توفّاه الله تعالى وهو خارج الوطن .

 

*  *  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محرم – صفر 1427هـ = فبراير – مارس 2006م ، العـدد : 1–2 ، السنـة : 30.